في الوقت الذى يزداد فيه مشهد تباطؤ الاقتصاد العالمى وضوحا، تخطو المملكة السعودية خطوات متسارعة نحو اقتناص الفرص الحقيقية والمستقبلية من خلال توسع أعمال الشركات الوطنية في السوق الخارجى، وتنويع استثمارات الصندوق السيادى، وذلك عن طريق زيادة نشاط عمليات الاستحواذ والتى تحظى باهتمام كبير من قبل المملكة للسيطرة على أكبر حصة سوقية ممكنة في الأسواق العالمية، وتوسيع نطاق السوق المحلى، الأمر الذى يؤطر لمكانة المملكة كصانعة لمستقبل الاقتصاد المعتمد على النمو الحقيقى والاستثمار في القطاعات المستقبلية.
حضور قوى فى الأسواق العالمية
يتربع صندوق الاستثمارات العامة على عرش الاستحوذات على المستوى والعالمى والإقليمى، ويحتل الصندوق المركز الخامس عالميا بين الصناديق السيادية من حيث الأصول، حيث ارتفعت قيمة الموجودات بنسبة 26% لتصل إلى 3.7 990 مليار دولار بنهاية 2023، مدعوما بصفقات الاستحواذ الكبيرة، وقد حصل الصندوق على تصنيف A1 من قبل وكالة موديز مع نظرة مستقبلية إيجابية، كذلك حصل الصندوق على المرتبة الثانية عالمياً ضمن تصنيفات الحوكمة والاستدامة والمرونة العالمية الصادرة عن مؤسسة Global SWF .
وذكر تقرير صادر عن 'أنست اند يونج' ان الشرق الأوسط وشمال افريقيا سجل حوالى 318 صفقة استحواذ بقيمة تقارب ال 44 مليار دولار، فى النصف الأول من عام 2023، واكد التقرير أن صندوق الاستثمارات العامة السعودى قاد نشاط الصفقات فى المنطقة.
"سافى" و "سكوبلى"
وقد وقع صندوق الاستثمارات العامة العديد من صفقات الاستحواذ بالخارج من ضمنها استحواذ مجموعة 'سافى' المتخصصة فى الألعاب الإلكترونية على شركة 'سكوبلى' الأمريكية مقابل 3.9 مليار دولار، وهى شركة متخصصة فى تطوير ونشر الألعاب المجانية على مختلف المنصات، فبمجرد ما أعلنت شركة 'سكوبلى' عن اطلاق لعبة 'Monopoly go' والتى لاقت اقبالا كبيرا من قبل المستخدمين للألعاب الالكترونية، اقتنصت 'سافى' الفرصة للاستحواذ على 'سكوبلى' وذلك فى إطار توجه استثمارات الصندوق نحو مجالات التكنولوجيا ودعم الابتكار.
وتسعى العديد من الشركات السعودية إلى تعزيز تواجدها في السوق العالمى والحضور بقوة كشركات رائدة، وتسعى نحو السيطرة على أكبر حصة سوقية ممكنة من خلال عمليات الاستحواذ الكلية او الجزئية على كبريات الشركات العالمية، ومن ضمن تلك الصفقات:
مجموعة "stc"
في سبتمبر الماضى أعلنت مجموعة stc شركة الاتصالات السعودية، عن الاستحواذ على حصة 9.9% من أسهم مجموعة تيليفونيكا (Telefónica)، وهى احدة من أكبر شركات الاتصالات في العالم وتعمل في كل من إسبانيا وألمانيا وبريطانيا والبرازيل، بقيمة 8.5 مليار ريال اى ما يعادل 2.1 مليار يورو.وتقتنص 'stc' فرصة النمو فى الأسواق الواعدة من خلال تلك الصفقة خاصة وان شركة'تيليفونيكا' تمتلك محفظة ضخمة من أصول البنية التحتية الرقمية والمنصات التقنية المتعلقة بانترنت الأشياء والذكاء المعرفى، وطبقا لتصريح مسئولين فى stc فإن التحالف بين الشركتين يدفع لتوظيف التقنيات المتقدمة فى صناعة الاتصالات ويعزز نمو الشركة فى الأسواق الواعدة، خاصة ان هذه الأسواق تتمتع بكثافة سكانية عالية.
الدخول فى سوق الاتصالات الأوروبية
فى مبادرة قوية لاقتحام سوق الاتصالات فى أوروبا قامت شركة توال التابعة لمجموعة stc شركة الاتصالات السعودية بالاستحواذ على أصول أبراج شركة يونايتيد جروب في كل من بلغاريا و كرواتيا وسلوفينيا، (بجنوب شرق أوروبا)، بقيمة 1.22مليار يورو، وبهذه الصفقة تستحوذ توال على أصول نوعية في البنية التحتية الرقمية من خلال امتلاك وتشغيل أكثر من 4800 برج في ثلاث دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وذبلك تصبح توال أوروبا الذراع الاستثمارى لشركة الاتصالات السعودية فى أوروبا.
"أرامكو" الحصان الفائز فى سباق الاستحواذات
تسعى 'أرامكو' السعودية أكبر شركات الطاقة والكيمائيات فى العالم، إلى تنويع منتجاتها وزيادة عوائدها، من خلال التوسع من صفقات الاستحواذ والحصول على أكبر حصة ممكنة من السوق العالمى، وقد أعلنت الشركة مؤخرا عن الاستحواذ على نحو 375.97 مليون سهم من 'سوميتومو' في شركة 'بترورابغ'، تمثل نحو 22.5% من رأس مال شركة 'بترورابغ'، وبالتالى ترتفع حصة 'أرامكو' فى 'بترورابغ' إلى 60%، وتأتى صفقة الاستحواذ على حصة ملكية 100% من شركة إسماكس للتوزيع (إس بي إي) الشركة الرائدة في مجال تجارة التجزئة للوقود ومواد التشحيم في تشيلي، كأول استثمار لأرامكو فى أعمال التجزئة بأمريكا الجنوبية، كذلك اتجهت الشركة نحو الصين من خلال الاستحواذ على حصة 10% في شركة رونغشنغ للبتروكيماويات مقابل 3.4 مليار دولار أميركي، وتهدف الصفقة إلى تعزيز استراتيجية أرامكو فى تحويل السوائل إلى كيماويات، وتعزيز تواجدها في الصين كمورد أساسى للنفط الخام.
اقتصاد قوى متنوع جاذب لطلبات الاستحواذ
رغم توسعات المملكة نحو صفقات الاستحواذ الخارجية، إلا انها تعط مركز جذب واستقطاب لعمليات الاستحواذ والاندماج من قبل الشركات الأجنبية والعالمية، الأمر الذى يؤكد قوة اقتصاد المملكة وقدرتها على جذب ثقة المستثمرين والشركات وضخ أموالهم بالسوق السعودى.
وطبقا لما اعلنته الهيئة العامة للمنافسة فى تقريرها الدورى سجلت طلبات الاندماج والاستحواذ المقدمة للهيئة خلال الربع الأول من عام 2022 حوالى 105 طلب، 65% من تلك الطلبات جاء من شركات أجنبية، وقد أصدرت الهيئة 49 قرار عدم ممانعة لعمليات التركز الاقتصادى (صفقات الاستحواذ والاندماج ومشاريع مشتركة)، وذلك خلال الربع الأول من 2022، بنسبة زيادة 88% عن العام السابق له.
الاستحواذات فى الداخل
وعلى صعيد الاستحواذات المحلية قامت العديد من الشركات الوطنية بصفقات استحواذ داخل المملكة بهدف تعزيز القدرة التنافسية للشركات وزيادة حجم النشاط الفعلى تقليل التكاليف وتعظيم الأرباح وزيادة الانتاج، من أهم وأكبر تلك الصفقات:
المراعى سابع أكبر علامة تجارية للألبان في العالم
وذلك حسب تصنيف 'براند فاينينس' العالمية المتخصصة في تقييم العلامات التجارية، مازالت تعتمد في استراتيجياتها على التوسع وضخ المزيد من الأموال في السوق المحلى بالمملكة وبالخارج ومنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وقامت الشركة مؤخرا بالاستحواذ على شركة 'إتمام' العاملة فى مجال الخدمات اللوجستية وتقدم خدمات التخزين والتوزيع للمنتجات المجمدة، بقيمة 182 مليون ريال اى ما يعادل 48.5 مليون دولار، وتستهدف 'المراعى' من تلك الصفقة تعزيز قدرات الشركة في عمليات التخزين والتوزيع وتقديم أفضل الخدمات لعملائها في السوق المحلى، وقد أعلنت الشركة في وقت سابق أنها تستهدف ضخ استثمارات تقدر بأكثر من 18 مليار ريال حوالى 4.8 مليار دولار حتى 2028، بهدف تعزيز نمو الشركة بالتركيز على رفع قدرات سلاسل التوريد والأمن الغذائى بالمملكة."بدجت" الشركة المتحدة الدولية للمواصلات
أعلنت الشهر الماضي عن نيتها للاستحواذ على كامل حصص شركة معدات الجزيرة المحدودة 'عالم السيارات'، من خلال زيادة رأس مالها من 711.7 مليون ريال إلى 781.8 مليون ريال عن طريق إصدار 7 ملايين سهم لصالح شركتي سدكو والتنمية، تأتى الصفقة بهدف زيادة الحصة السوقية للشركة، وذكر الرئيس التنفيذى ل 'بدجت' أن صفقة ستسهم بشكل أساسى في رفع تنافسية الشركة وإضافة القيمة للمساهمين، ومن المتوقع ان ترتفع الحصة السوقية للشركة الرائدة في مجال التأجير طويل الاجل للسيارات بعد إتمام الصفقة إلى 23%.