مشهد مرتبك واضطراب عالمى يصيب اقتصاديات كافة الدول، الأمر الذى يدفع بسؤال كيف تحمى المملكة استثماراتها الخارجية؟، خاصة وأنها تمتلك أكبر صندوق سيادى على مستوى العالم بقيمة أصول تتحاوز 940 مليار دولار.
مشهد عالمى مرتبك
على مدار الخمس أعوام الماضية شهد الاقتصاد العالمى تقلبات حادة، تأثرا بالأزمات المتلاحقة والتى بدأت منذ أزمة انتشار كوفيد-19 وما سببه من غلق كلى ثم جزئى لكافة الأنشطة الاقتصادية فى جميع الدول، ثم جاءت الحرب الروسية الأوكرانية بأثارها السلبية على أداء الاقتصاد العالمى ، من اضطراب سلال الإمداد وحتى ارتفاع معدلات التضخم العالمى لمستويات غير مسبوقة مسجلة 8.8% خلال عام 2022، مما دقع مجلس الاحتياطى الفيدرالى لاتخاذ قرارات نقدية تقييدية من خلال رفع أسعار الفائدة، واتبعته بالمثل كافة البنوك المركزية مما كان له الأثر المباشر فى تراجع معدلات التشغيل والاستثمار.
ولم تهدأ الاوضاع وحتى تصاعدت توترات منطقة الشرق الأوسط، ويزداد المشهد ارتباكا مع إعلان مركز إحصاءات العمل بالولايات المتحدة عن تراجع معدلات التوظيف، واهتزت الأسواق المالية العالمية مسجلة تراجعا حادا وسط حالة من الخوف والهلع مسطرة على المستثمرين واتجهت المعنويات المتشائمة نحو التحوط من اى تعاملات شرائية، وفى هذا الوضع يصبح توفير الأمن والحماية للاستثمارات الخارجية أمر أساسى فى ظل توترات واهتزازات تعصف بالأسواق.
كيف تحمى المملكة استثماراتها بالخارج
أكبر صندوق سيادى فى العالم بقيمة أصول تتجاوز 940 مليار دولار
ويعد صندوق الاستثمارات العامة الذراع الاستثمارى للمملكة، وهو أكبر صناديق الثروة السيادية على مستوى العالم، وقد أظهرت بيانات المعهد السويسرى للصناديق السيادية عن تقدم الصندوق بالمركز الخامس عالميا بقيمة أصول تتجاوز 940 مليار دولار. ودائما يعمل الصندوق على بناء محفظة استثمارية متنوعة على المستوى المحلي والدولي، ويتم التركيز على الاستثمار فى الأصول لدى الدول مما يجنبه اى مخاطر محتملة، كذلك يعتمد على اتمام الصفقات الناجحة ذات الجدوى الممتدة على المدى المتوسط والطويل، الأمر الذى يعظم من مكاسبه الحالية والمتوقعة.
وتضع المملكة استراتيجية واضحة تضمن تعزيز مكانتها وتواجدها الريادى فى الاقتصاد العالمى، من خلال التوسع فى فى حجم الاستثمارات الخارجية، معتمدة على مسارات أساسية تضمن لها جودة الاستثمار وحماية أعمالها وقت الأزمات العالمية، وذلك من خلال المسارات التالية:
1- محفظة استثمارية متنوعة طويلة الأمد
يتملك صندوق الاستثمارات العامة محفظة استثمارات عالمية متنوعة، ما بين الاستثمار فى أدوات الدخل الثابت، والأسهم الخاصة والعامة، والعقارات، والبينة التحتية والاستثمارات البديلة، كذلك يسعى الصندوق لعقد الشراكات الاستراتيجية مع كبريات الشركات العالمية، ويمتاز الصندوق باقتناص فرص الاستثمار الجيدة ومن ضمن أبرز الشراكات الاستثمارية الأتى: أكورا انفست المتخصصة فى مجال الاستثمار الفندقى والعقارى وهى أكبر شركة تمتلك محفظة عقارات متنوعة على مستوى 25 دولة، وفى عام 2018 فتحت المجال أمام الصناديق السيادية للاستثمار طويل الأمد.
2- الاستثمار فى الصناعات المستقبلية:
الاستثمار فى الصناعات المستقبلية يمكن أن نطلق عليه الجودة فى الاستثمار التى تضمن لك مكانا متقدما ورائدا فى أحد الصناعات المستقبلية، وقد سعت المملكة من خلال الذراع الاستثمارى لها من تعزيز محفظتها الاستثمارية بالشراكة مع الشركات الكبرى العاملة والناشئة فى هذه الصناعات، ومن ضمن تلك الشراكات ماجيك لييب (Magic leap) وهى الشركة الرائدة فى مجال الابتكار المعزز والمتخصصة فى تقديم المعلومات بالذكاء الاصطناعى، معتمد على دمج البيانات المعززة بالذكاء الاصطناعى واستخدامها بدقة متناهية فى كافة المجالات لإدارة المعلومات بما يسهم فى تعزيز الانتاجية وتحسين الخبرات وضمان الجودة.
فى ظل تزايد الحاجة للتحول نحو الاقتصاد الأخضر والاعتماد على الطاقات البديلة والمنتجات الأقل استخداما للوقود، سعى صندوق الاستثمارات العامة لتأسيس شراكة مع 'لوسيد' المتخصصة فى السيارات الكهربائية، وتحت شعار السيارة الكهربائية الأكثر تطوراً صُممت في كاليفورنيا؛ جُمّعت في السعودية، تأتى الشراكة الاهم فى مجال تصنيع السيارات الكهربائية والتى ستشهد اقبالا متزايد خلال الفترة القادمة من حيث المبيعات كأحد الصناعات المستقبلية.
وتحت شعار (ثورة المعلومات – السعادة للجميع) انطلقت الشراكة مع الشركة اليابانية 'سوفت بانك'، وهى ثانى أكبر شركة عامة فى اليابان، وقد صنفت في قائمة فوربس جلوبال كواحدة من أكبر 36 شركة عامة في العالم، الأمر الذى يؤكد على جودة الاستثمارات التى تتجه نحوها المملكة.
3- اتفاقيات حماية الاستثمارات
تمتلك المملكة 23 اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات بينها وبين العديد من الدول، وتسعى حاليا لتوقيع عدد من الاتفاقيات، ودائما تنشأ عن اتفاقيات حماية الاستثمارات مجموعة من الحقوق للمستمرين مقابل التزامات محددة من قبل الدول المستقبلة للاستثمارات، وفى حالة مخالفة اى بند من البنود المتفق عليها يتم تفعيل الشرط المتعلق بتسوية المنازعات ورفع الأضرار، ومن المتعارف عليه أن مسئولية الدولة المستقبلة تتحدد بإطار القانون الدولى الذى يلزمها الامتثال لبنود الاتفاقية، حيث تضمن تلك الاتفاقيات حرية تحويل رؤوس الأموال وعدم نزع الملكية ومنح الحوافز والمزايا المشجعة على الاستثمار، إضافة إلى تيسير الاجراءات المتعلقة بإنشاء وتوسعة وصيانة الاستثمارات، وضمان الاستثمارات في حالات الحرب أو النزاع أو الثورة أو حالات الطوارئ والاضطرابات.
4- اقتناص الفرص
من أبرز الأدوات الفعالة فى تعظيم المكاسب الاستثمارية وضمانها هو ان يمتلك صاحب القرار فراسة وفطنة اقتناص الفرص، وقد أثبتت المملكة جدارتها فى سباق الفرص، وفتح مجالات متنوعة، وقد سعت المملكة لتأسيس تواجد اقليمى كشريك أساسى واستراتيجى فى كثير من المشروعات والاستثمارات فى المنطقة، وعززت من نمو واستقرار العديد من الدول فى الشرق الأوسط، وفى سياق ذلك تجنى المملكة ما زرعته من دعم فى اقتناص الفرص الاستثمارية فى الدول ذات الاقتصاد الواعد، مثال ذلك ما أفصحت عنه المملكة عن تجهها لتحويل ودائع المملكة فى مصر إلى استثمارات، ومن المرجح ان تذهب تلك الاستثمارات نحو الأصول والمشروعات ذات الجدوى، ومن المنتظر أن يتم التوصل لاتفاق حماية وتشجيع الاستثمارات بين مصر والسعودية، باعتبار أن المملكة أكبر مستثمر فى مصر بحجم استثمارات تقدر ب 3 مليارات دولار.